logo
#

أحدث الأخبار مع #الإمام الشافعي

الفرج بعد الشدّة
الفرج بعد الشدّة

الإمارات اليوم

timeمنذ يوم واحد

  • ترفيه
  • الإمارات اليوم

الفرج بعد الشدّة

ما أبهى وقع عبارة «الفرج بعد الشدة» على الأرواح المتعبة، في زمن تكثر فيه المحن ويتعالى فيه أنين الحروب، ليست مجرد كلمات، بل رجاء يضيء القلب، وخيط نور يشق عتمة اليأس، يهمس لنا بأن كل ضيق إلى زوال. قبل أكثر من ألف عام، ألّف القاضي المحسن أبوعلي التنوخي كتابه الشهير «الفرج بعد الشدة»، فجمع فيه حكايات حقيقية عن الخلاص بعد المحن: من فك أسر، وشفاء مرض، وعودة غائب، إلى انتصار مظلوم، ونجاة من هلاك، لم تكن هذه الحكايات مجرد تسلية، بل مرآة للوجدان، تؤكد أن الأمل يولد في عمق الألم، وأن من ذاق الشدة عرف قيمة الفرج. قسّم التنوخي كتابه إلى أبواب تمس مختلف وجوه البلاء، وسرد فيها الكروب بتفاصيلها دون تجميل، ثم قاد قارئه بلطف إلى لحظة الانفراج، كما لو كان يقول: «إن الصبر باب الأمل، وإن الشدة لا تدوم». وقد عبّـر الإمام الشافعي عن هذا المعنى الخالد في بيته الشهير: ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرجت.. وكنت أظنها لا تفرج شطران يلخصان فلسفة الفرج: حين تشتد الحلقات وتبلغ الكربة ذروتها، يكون الانفراج أقرب مما نتخيل. ولا يقف هذا المعنى عند حدود الأدب العربي، بل يمتد إلى آداب العالم، ففي ملحمة «الفردوس المفقود» لجون ميلتون، يصور سقوط آدم وحواء لا كعقوبة نهائية، بل كبداية لمسار فداء، يرسم فيه ميلتون صورة للرحمة الإلهية التي تخرج الخير من قلب السقوط. أما في رواية «البؤساء» لفيكتور هوغو، فإن جان فالجان يجد خلاصه ليس من قوة خارجية فقط، بل من داخله، بعد أن يغفر له القس، فتضيء روحه بنور جديد. وهكذا يتحول من سجين منبوذ إلى رمز للغفران والكرامة الإنسانية. وفي رواية «قصة مدينتين» لتشارلز ديكنز، يتجلى الفرج في قمة النبل الإنساني، حيث يُقدّم أحد الأبطال حياته فداء للآخر، في لحظة تتجاوز الذات وتبلغ ذروة التضحية. ما بين التنوخي والشافعي وميلتون وهوغو وديكنز، تتوحد الرسالة الإنسانية: أن الفرج ليس وهماً ولا حلماً بعيداً، بل حقيقة تتكرر بأشكال متعددة.. مرة كنفحة من السماء، وأخرى كثمرة نضج داخلي. الفرج بعد الشدة - في نهاية المطاف - هو تضرع كل نفس في أن يجعل الله لكل حزن خاتمة، ولكل قيد مفتاحاً، ولكل كربة فرجاً. *باحث زائر في جامعة هارفارد لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store